ما هي تقنية الـBIM؟ ولماذا أصبحت مستقبل صناعة البناء؟

في السنوات الأخيرة، تحوّل مصطلح تقنية ال BIM – نمذجة معلومات البناء (Building Information Modeling) إلى أحد أهم الكلمات في قاموس صناعة التشييد عالميًا.
 
 
بحسب تقرير McKinsey Global Institute لعام 2024، تُعتبر تقنية ال BIM “الركيزة الأساسية للتحول الرقمي في قطاع البناء”، لأنها لا تغيّر فقط طريقة التصميم، بل تعيد تعريف إدارة المشاريع والبنية التحتية من الأساس.
 
ورغم ذلك، لا يزال كثير من العاملين في المجال الهندسي يخلطون بين تقنية ال BIM والتصميم ثلاثي الأبعاد العادي (3D).
فما الفرق بينهما؟ ولماذا أصبحت الـBIM مستقبل الصناعة بلا منازع؟

ما هي تقنية ال BIM بالضبط؟

 
تصف Autodesk، وهي الشركة التي طوّرت أشهر برمجيات النمذجة مثل Revit وBIM 360، التقنية بأنها:
 
“عملية تعتمد على البيانات لإنشاء وإدارة معلومات المشروع عبر دورة حياته كاملة، من التصميم وحتى الصيانة.”
(Autodesk BIM Handbook, 2024)
 
بمعنى آخر، تقنية ال BIM ليست برنامجًا واحدًا، بل منهجية رقمية متكاملة تجمع كل التخصصات الهندسية في نموذج واحد “ذكي” يحتوي على كل المعلومات الخاصة بالمشروع (المواد، الكميات، التكلفة، الزمن، الطاقة، الصيانة)
 
وبمعنى اوضح ، فبدلًا من وجود مئات الملفات والرسومات المنفصلة ،تتيح تقنية ال BIM بيئة بيانات مشتركة (CDE) يعمل من خلالها المعماري والإنشائي والميكانيكي والكهربائي على نفس النموذج الرقمي المتكامل.

الفرق بين تقنية ال BIM والرسم ثلاثي الأبعاد (3D CAD)

كثير من المهندسين الجدد يعتقدون أن الـBIM مجرد تطوير للرسم ثلاثي الأبعاد، لكن وفقًا لتقرير The National Building Specification (NBS, 2023)، فإن الفرق بينهما يشبه الفرق بين “نموذج بصري” و“نظام معلومات متكامل” يحتوي على بيانات تنفيذ وتشغيل وصيانة للمبنى.

بالتالي، يمكن القول إن BIM ليست رسماً هندسياً، بل قاعدة بيانات هندسية متكاملة.

تأثير تقنية ال BIM على صناعة البناء عالميًا

وفقًا لدراسة McKinsey (2024) حول التحول الرقمي في قطاع التشييد، أدّى اعتماد تقنية BIM في المشاريع الكبرى إلى:
  • تقليل تكلفة التنفيذ بنسبة تتراوح بين 15 إلى 25%،
  • تقليص مدة المشروع حتى 30%،
  • وخفض الأخطاء الناتجة عن التعارضات بين التخصصات بنسبة 40%.
أما تقرير RICS Journal (2023) فأشار إلى أن “الدول التي تبنّت BIM ضمن تشريعاتها الوطنية تشهد تحسينات ملموسة في كفاءة المشروعات الحكومية وتخفيض الهدر المالي.”
 
في الشرق الأوسط، نجد أمثلة واضحة لتبنّي التقنية:
  • مشروع نيوم (NEOM) في السعودية يعتمد كليًا على الـBIM والتوأم الرقمي لإدارة مئات الأصول الذكية.
  • بلدية دبي فرضت تطبيق BIM في جميع مشاريع الأبراج الكبرى منذ عام 2020.
  • وزارة الإسكان المصرية بدأت في دمج BIM ضمن مبادرات المدن الذكية الجديدة مثل العاصمة الإدارية.

أبعاد ال BIM: من 3D إلى 9D

تشرح Trimble BIM White Paper 2024 أن الـBIM يتطور على شكل “أبعاد” (Dimensions) تمثل مراحل نضج البيانات:
البعد المعنى الاستخدام
3D التصميم والتنسيق البصري جمع التخصصات في نموذج واحد
4D الزمن (Time) ربط النموذج بالجدول الزمني للمشروع
5D التكلفة (Cost) تقدير الكميات والتحكم المالي
6D الاستدامة (Sustainability) تحليل الطاقة والبصمة الكربونية
7D إدارة المرافق (FM) استخدام النموذج بعد التسليم
8D السلامة وإدارة المخاطر تحسين بيئة العمل وتقليل الحوادث
9D الصيانة الذكية (Smart Maintenance) ربط النموذج بأنظمة التوأم الرقمي وإنترنت الأشياء
ووفقًا لتقرير ISO 19650 – Part 5 (2023)، فإن الأبعاد المتقدمة مثل 8D و9D تُعتبر حاليًا أساس التحول نحو “البناء الذكي” و“إدارة الأصول الرقمية”.

فوائد تقنية ال BIM لكل طرف في المشروع

للمصممين والمهندسين:

تُظهر دراسة Autodesk Industry Report 2024 أن 75% من الشركات التي تطبق تقنية ال BIM قللت أخطاء التصميم بنسبة تتجاوز 40%.
كما أصبح التنسيق بين التخصصات أسرع بـ30%، بفضل التحديث التلقائي للنموذج عند أي تعديل.

للمالكين والمستثمرين:

وفقًا لتقرير PwC Real Estate 2024، تمنح تقنية ال BIM المستثمر رؤية مالية دقيقة قبل التنفيذ، مما يُقلل المخاطر الاستثمارية ويُحسّن قرارات التمويل.
كما تسمح النمذجة بتقدير التكاليف المستقبلية للتشغيل والصيانة.

للمقاولين ومديري المشاريع:

يؤكد تقرير PMI (Project Management Institute, 2023) أن تطبيق تقنية ال BIM في مرحلة التنفيذ ساهم في رفع الإنتاجية بنسبة 25%، بفضل الجدولة الزمنية الدقيقة وإدارة الموارد بناءً على بيانات حقيقية من النموذج.

مستقبل تقنية الBIM: الذكاء الاصطناعي والتوأم الرقمي

 

توقعت مجلة Engineering News-Record (ENR, 2024) أن المرحلة القادمة من تطور الـBIM ستدمج الذكاء الاصطناعي (AI) والتوأم الرقمي (Digital Twin) في منظومة واحدة.
بمعنى آخر، سيتحوّل المبنى من مجرد “نموذج رقمي” إلى “كائن حي رقمي” يعرف حالته التشغيلية لحظة بلحظة.
وده هو جوهر مفهوم الصيانة الذكية 9D BIM اللي أصبح محور المدن الذكية الجديدة مثل نيوم وسنغافورة.
 
تقنية الـBIM لم تعد مجرد خيار حديث، بل ضرورة استراتيجية لأي جهة تسعى للتميز في إدارة المشاريع.
 
فهي توفّر رؤية متكاملة تربط التصميم بالتنفيذ بالتشغيل، وتحوّل البيانات إلى قرارات دقيقة واقتصادية ومستدامة.
 
وبحسب Autodesk (2024)، فإن “المستقبل لن يكون لمَن يبني أسرع، بل لمن يُدير المعلومات بذكاء أكبر.”
وهذا بالضبط ما يقدمه الـBIM.
 
وبذلك توصلنا أن الـBIM ليست مجرد تقنية تصميم ثلاثي الأبعاد، بل منظومة متكاملة لإدارة المعلومات وتحويل طريقة بناء وتشغيل المباني في العالم.
 
لكن كيف تتطور هذه التقنية من مجرد نموذج ثلاثي الأبعاد إلى نظام متكامل للصيانة الذكية وإدارة المرافق؟
في المقال التالي من السلسلة سنتعرف بالتفصيل على مستويات الـBIM التسعة
 
وكيف يضيف كل “بعد” جديد قيمة مختلفة للمشروع — من التصميم، إلى التكلفة، إلى التشغيل الذكي.
 

"المقال السابق"

التطوير العقارى والهندسة المعمارية شراكة لنجاح الاستثمار

تخيل قطعة أرض واسعة على أطراف مدينة نامية. قد يراها البعض مجرد مساحة فارغة، بينما ينظر إليها التطوير العقارى كفرصة استثمارية قادرة على تغيير ملامح المدينة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تكفي الرؤية وحدها لتحويل هذه الأرض إلى مشروع ناجح يحقق عائدًا مجزيًا؟ الحقيقة أن التطوير العقارى يحتاج دائمًا إلى شريك استراتيجي يعرف كيف يحوّل الأفكار إلى واقع ملموس وهنا يأتي دور الشركات الهندسية في رسم التصاميم، إدارة المخاطر، وضمان التنفيذ بمعايير عالمية.

"مقالات ذات صلة Related Articles"

Scroll to Top