من المخططات إلى النمذجة كيف غيّرت تقنية الـBIM مستقبل الهندسة؟

قبل سنوات لم تكن إدارة المشاريع الهندسية تختلف كثيرًا: رسومات ورقية متكدسة، مراجعات متكررة، وأخطاء مكلفة تظهر غالبًا أثناء التنفيذ. لكن مع ظهور تقنية الـBIM (نمذجة معلومات البناء)، تغيّر المشهد بالكامل.

 اليوم لم يعد الاعتماد على الورق كافيًا، بل أصبح الانتقال إلى النمذجة الرقمية ضرورة لأي مشروع يرغب في أن يكون ناجحًا، سريعًا، وذو تكلفة محسوبة.

ما هي تقنية الـBIM؟

تقنية BIM – Building Information Modeling ليست مجرد برنامج رسم ثلاثي الأبعاد، بل هي منهجية متكاملة تجمع بين التصميم، التنفيذ، وإدارة المرافق.

الفكرة ببساطة: بدل ما يكون عندك مخطط ورقي لكل تخصص (معماري، إنشائي، كهرباء، ميكانيكا)

 هذة التقنية بتجمع كل التخصصات في متكامل، يوضح كل تفاصيل المشروع من أول حجر أساس وحتى التشغيل الفعلي.

تكامل الأجهزة مع الأنظمة الهندسية

الهندسة الكهربائية: توافق الأجهزة الطبية مع أنظمة الطاقة يقلل من الانقطاعات المفاجئة ويضمن استمرارية العمل.

الهندسة الميكانيكية: اختيار أنظمة تهوية وتكييف مناسبة يقلل من استهلاك الطاقة ويحافظ على جودة الهواء داخل غرف العمليات والعناية المركزة.

الهندسة المعمارية: دمج الأجهزة مع تصميم المبنى بشكل يحقق سهولة الصيانة ويعطي تجربة مريحة للمرضى والزوار.

الفرق بين الطرق التقليدية وتقنية الـBIM

الطرق التقليدية:
  • تعتمد على رسومات منفصلة لكل تخصص.
  • الأخطاء والتعارضات تظهر غالبًا في موقع المشروع.
  • إعادة التعديلات مكلفة وتستهلك وقت.
تقنية BIM:
  • توحيد كل التخصصات في منصة واحدة.
  • اكتشاف التعارضات مبكرًا قبل التنفيذ.
  • توفير حتى 30% من التكلفة و20–50% من الزمن مقارنة بالطريقة التقليدية

كيف تغيّر الـBIM مستقبل المشاريع الهندسية؟

من المثير أن نرى كيف تنقل هذة التقنية المشاريع من مجرد خطوط على الورق إلى نموذج ثلاثي الأبعاد ذكي يمكن تحليله، تطويره، والتنبؤ بكل تحدياته.
  • في تصميم المستشفيات مثلًا: تساعد هذة التقنية على تحديد أدق تفاصيل توزيع الأقسام الطبية والتجهيزات.
  • في المشاريع التجارية: يوفر تصورًا دقيقًا للتكامل بين التصميم والهوية التسويقية للمطور العقاري.
  • في البنية التحتية الكبرى: يختصر سنوات من التنسيق بين عشرات الجهات في منصة واحدة

تقنية BIM ورؤية السعودية 2030

في السعودية، أصبحت تقنية الـBIM أداة أساسية لتحقيق مشاريع رؤية 2030. من المستشفيات الذكية إلى المدن الجديدة مثل نيوم، كل هذه المشاريع الضخمة لا يمكن إدارتها بكفاءة إلا عبر النمذجة الرقمية.

أصبحت تقنية نمذجة معلومات البناء (BIM)

عنصرًا مركزيًا في تنفيذ مشاريع رؤية 2030 الكبرى، لأن قدرتها على تجميع البيانات الهندسية والزمنية والتكلفة في نموذج واحد تُمكّن من إدارة محفظة مشاريع واسعة ومعقدة بكفاءة عالية ،مشاريع مثل NEOM تبنّت استراتيجيات تصميم وبناء رقمية توظيف وطرق بناء مبتكرة لتقليل التكلفة الكلية وتقليل البصمة الكربونية، ما يؤشر إلى أن المشاريع الضخمة الممولة ضمن رؤى وطنية لا تُدار اليوم إلا عبر نمذجة رقمية متقدمة.

 
من الناحية التشغيلية، تُترجم فوائد BIM إلى نتائج قابلة للقياس: دراسات مثل تقرير McKinsey تشير إلى أن غالبية الشركات التي تبنّت ان هذة التقنية حققت عوائد إيجابية على الاستثمار (بنسبة 75%)، كما أن تطبيق أشكال متقدمة من هذة التقنية (كالـ 4D/5D) يساهم في كشف التعارضات المبكرة (clash detection) وتقليل إعادة العمل وتأخير الجداول الزمنية بنسبة ملحوظة، ما ينعكس مباشرة على تقليل انحرافات التكلفة والجدول. هذا يجعل BIM أداة ضرورية لخفض المخاطر المالية في مشاريع رؤية 2030.
 

الدراسات والأبحاث في السعودية عن  تقنية الـ BIM (نمذجة معلومات البناء) وضحت إن فيه 3 عوامل أساسية لنجاح تطبيقها:

  1. لازم يبقى فيه إطار تنظيمي موحد (يعني قوانين ومعايير واحدة تطبق على الكل بدل كل جهة تشتغل بطريقة مختلفة).

  2. تدريب الكوادر البشرية (المهندسين والفنيين محتاجين تدريب كويس علشان يعرفوا يستخدموا التقنية صح).

  3. تكامل بيانات النماذج مع أنظمة إدارة الأصول الحكومية (Asset Management) → يعني النموذج الرقمي اللي بيطلع من الـBIM يترابط مباشرة مع أنظمة إدارة المباني التابعة للحكومة، بحيث بعد التسليم يفضل المبنى متابع ومُدار بكفاءة طول دورة حياته.

 بالاضافة الى ان الدراسات الميدانية في السعودية لقت إن استخدام الـBIM مش بس مسألة تقنية، لكن كمان مرتبط بـ:

  • تحقيق الاستدامة (زي تقليل استهلاك الطاقة والمياه).

  • الالتزام بالكود السعودي الأخضر (معايير محلية للبناء المستدام).

  • إدارة دورة حياة المبنى (من التصميم، للبناء، للتشغيل، وحتى الصيانة).

  • تبني 4D/5D لربط النموذج بالجدول الزمني والتكلفة (يُسهِم في محاكاة السيناريوهات وتقليل المخاطر).
  • إدماج المواصفات المفتوحة (IFC/COBie) لتبادل البيانات بين الجهات وتحضير نموذج جاهز للتشغيل وإدارة الأصول. (تحسين جودة بيانات التسليم يقلل تكاليف التشغيل لاحقًا).
  • التحوّل نحو Digital Twin لمرحلة التشغيل (تشغيل ومراقبة المبنى استشعارياً وربطه ببيانات النموذج).
  • حوكمة البيانات وتدريب الطواقم: بلا إطار إدارة بيانات واضح وسياسات تسليم رقمية، قيمة نماذج تقنية نمذجة معلومات البناء تقل تلقائيًا وهذا ما تؤكده دراسات التطبيق في السعودية.
أخيرًا، الربط بين تقنية نمذجة البناء وأجندة الاستدامة في السعودية يجعل التقنية أكثر من أداة تصميم بل آلية لقياس أثر الاستدامة وإثبات الامتثال لمعايير البناء الأخضر خلال دورة حياة المشروع، وهذه النقطة مدعومة بتحليلات متخصصة حول كيفية استخدام BIM للمساعدة في تحقيق أهداف الرؤية المتعلقة بالبنية التحتية والحد من الانبعاثات.

العلاقة بين BIM وIFC/COBie في مشاريع رؤية السعودية 2030

  • BIM كمنصة أساسية:
    تقنية الـBIM (النمذجة الرقمية للمعلومات) تمثل الإطار المركزي لتجميع وإدارة بيانات المشروع في جميع مراحله، بدءًا من التصميم المفهومي وحتى التشغيل.
  • IFC لضمان التوافقية:
    صيغة Industry Foundation Classes (IFC)، التي طورتها منظمة buildingSMART، تعمل كمعيار مفتوح لتبادل البيانات بين مختلف برمجيات الـBIM. هذا يضمن أن جميع الأطراف (المعماري، الإنشائي، الميكانيكي، الكهربائي…) يمكنهم العمل على نفس النموذج دون فقدان للمعلومات أو الاعتماد على برنامج واحد بعينه.
  • COBie لمرحلة التشغيل:
    معيار Construction Operations Building Information Exchange (COBie) يترجم النموذج الرقمي إلى بيانات تشغيلية منظمة، مثل:
    • قوائم المعدات والأصول.
    • جداول الصيانة الدورية.
    • المواصفات الفنية وقطع الغيار.
      هذه البيانات تسلّم لمالك المشروع كنموذج جاهز لإدارة الأصول الذكية بعد انتهاء مرحلة البناء.
  • القيمة المضافة:
    الدمج بين BIM + IFC + COBie يرفع جودة تسليم المشاريع، ويقلل من تكاليف التشغيل والصيانة طويلة الأمد بنسبة ملموسة. كما يخلق قاعدة بيانات موحدة تساعد على التحول نحو إدارة مرافق ذكية ومستدامة، وهو ما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في الكفاءة، التحول الرقمي، والاستدامة.

"المقال السابق"

دور التصميم المعمارى المبتكر فى رفع قيمة العقار

عندما أطلق أحد المطورين العقاريين في الرياض مشروعًا تجاريًا ضخمًا، اعتمد في البداية على التصميمات التقليدية للمباني المكتبية. النتيجة؟ وحدات فارغة لعدة أشهر وصعوبة في جذب المستثمرين والمستأجرين. لكن مع إعادة التفكير في التصميم المعماري – وإدخال عناصر ابتكار مثل الواجهات الزجاجية التفاعلية، المساحات الخضراء الداخلية، والمناطق الترفيهية المشتركة – تغيّرت المعادلة. فجأة، أصبح المشروع ليس مجرد مبنى، بل تجربة متكاملة تجذب المستثمر قبل المشتري، والمستأجر قبل الزائر...

"مقالات ذات صلة Related Articles"

Scroll to Top